المدية: على خطى المعمار العثماني في العاصمة السابقة لبايلك التيطري

المدية: على خطى المعمار العثماني في العاصمة السابقة لبايلك التيطري

المدية – تحتضن ولاية المدية، العاصمة السابقة لبايلك التيطري، وهي إحدى البايالك الثلاثة بالجزائر والتي تأسست في منتصف القرن ال16 على يد الباي حسن، العديد من المعالم الأثرية التي تعود إلى عهد الوجود العثماني بالمنطقة.

ولا يزال تأثير الثقافة العثمانية، لاسيما في مجال تخطيط المدن والهندسة المعمارية، واضحا في وسط مدينة المدية، حيث لا تزال العديد من المباني والمساكن وأماكن العبادة التي شيدت في حقبة الوجود العثماني في الجزائر، قائمة داخل المدينة.

ويحتضن المركز الحضري القديم للمدينة أكبر عدد من المباني التي يعود تاريخها إلى الفترة العثمانية، ويعود تاريخ المباني الأولى التي صممت على شكل الهندسة المعمارية العثمانية إلى نهاية القرن السادس عشر.

وأوضح رئيس قسم التراث بمديرية الثقافة والفنون، أحمد مربوش، أن المباني الأولى التي شيدت بنفس هندسة العمارة العثمانية تعود إلى نهاية القرن السادس عشر، حيث تم تشييد منازل صغيرة بالحجر على طراز “القصبة” التي بنيت في العديد من المدن الساحلية في البلاد، مثل “قصبة” الجزائر العاصمة ودلس بولاية بومرداس.

ولا تزال بعض المباني التي كانت ذات يوم جزءا من هذه “القصبة” موجودة إلى يومنا، ولكنها في حالة متقدمة جدا من الإهمال، وتستخدم بعضها كمستودعات أو محلات تجارية، في حين أن البعض الآخر بدأ ينهار بفعل تأثير الزمن و تقلبات الطقس، ولكن خاصة بسبب غياب الصيانة والترميم.

وقد اعتمد قطاع الثقافة مؤخرا خطة دائمة للحفاظ على التراث المعماري وصيانته، تهدف إلى تسهيل تنفيذ إجراءات حماية وترقية البقايا المعالم الأثرية التي يزخر بها الوسط الحضري القديم لمدينة المدية.

كما يوفر هذا المخطط لقطاع الثقافة الظروف المثالية لعرض الآثار القديمة مثل القناة الرومانية ومسجد الحنفيين وضريحي سيدي صحراوي وسيدي البركاني ودار الأمير، والمنزل السابق للأمير عبد القادر، الذي حول إلى متحف وطني عام للفنون والتقاليد الشعبية، حسب توضيحات مديرة الثقافة والفنون، سليمة قاوة.

 

                              — أماكن العبادة، الجانب الآخر الظاهر من المعمار العثماني —

 

وعيا منهم بأهمية الدين بالنسبة للمجتمع المحلي، قام البايات الأوائل الذين حكموا بايلك التيطري، خاصة الباي مصطفى، بأعمال بناء وتجديد كبيرة لأماكن العبادة بهدف التقرب من السكان وتوثيق الروابط معهم، خاصة مع أعيان المنطقة.

ولهذه الأهداف شيدوا أربعة مساجد حول “قصبة” المدية التي لم ينج منها سوى مسجد واحد من حملة التدمير التي شنتها قوات الاستعمار الفرنسي فترة احتلال الجزائر.

ووفقا لكتابات المؤرخ الراحل مختار اسكندر، فإن مسجد الباي مراد هو الوحيد الذي نجا من أيادي الاستعمار، وكان الباي مراد أحد البايات المتعاقبة على رأس بايليك التيطري، ومسجده كان مخصص للشعائر الحنفية وهو يحمل اليوم اسم أحد كبار علماء المنطقة، الشيخ فضيل إسكندر، ولقد استفاد من أعمال ترميم سنة 2007 ضمن خطة ترميم أشرفت عليها مديرية الثقافة.

أما أماكن العبادة الثلاثة الأخرى والمتمثلة في جامع لحمر، الذي سمي بإسم أحد أولياء المدينة، ومسجد الحامية العسكرية الذي بني بالقرب من باب الأقواس، أحد أبواب المدينة الخمسة، ومسجد سيدي سليمان، فقد دمرتها قوات الاحتلال الفرنسي بعد الاستيلاء على المنطقة في منتصف القرن التاسع عشر.

ولم يتبق اليوم من أماكن العبادة هذه سوى آثار قليلة منها مئذنة جامع لحمر التي خضعت لأعمال الترميم في عام 2010، وضريح سيدي سليمان الذي كان قائما بجوار المسجد الذي يحمل نفس الاسم.

كان عصر الباي مصطفى أكثر العصور ازدهارا من الناحية المعمارية، حيث بدأ في سنة 1637 بترميم المسجد المالكي في قلب المدينة القديمة، ثم بناء الإقامة الشتوية التي شغلها الأمير عبد القادر لفترة من الزمن، وتشييد مكتبة كبيرة محاذية للمسجد، وتشييد إقامة صيفية في الضواحي الغربية للبلدة القديمة، عرفت باسم حوش الباي.

ولقد كانت توجد بالعاصمة القديمة للتيطري خمسة أبواب، شيدت من أجل تنظيم تدفق المواطنين والتجار والزوار، ولضمان تحكم أفضل لطرق المدينة.

فلقد شيد شمال المدينة باب دزاير، ويشكل نقطة الوصول الرئيسية إلى المدينة بالنسبة للمسافرين من ولاية الجزائر العاصمة نحو الجنوب والعكس، وفي الشمال الغربي باب الغورط، وفي الغرب باب الاقواس، وفي جنوب المدينة باب سيدي سليمان، وأخيرا باب البركاني الذي يوجد بالجنوب الشرقي، وكل هذه الأبواب دمرها جيش الاحتلال الاستعماري عندما استولى على المدينة عام 1840.