القصبة وأندية المحبوبة : قبل 60 عاما, مولودية الجزائر توقف جميع الأنشطة الرياضية استجابة لنداء جبهة التحرير

القصبة وأندية المحبوبة : قبل 60 عاما, مولودية الجزائر توقف جميع الأنشطة الرياضية استجابة لنداء جبهة التحرير

الجزائر – مع الخروج من ميترو العاصمة, شارع محمد بوزرينة, في القصبة السفلى, تحاصرك رائحة سوق الفواكه والخضروات, الذي أصبح, مع مرور الوقت, “محجا” لهواة الكتب المستخدمة, وسوقا للأغراض المستعملة التي يتردد إليها قاطنو أحياء باب الوادي وباب جديد وهما معاقل أكبر أندية مدينة الجزائر العريقة : مولودية الجزائر و اتحاد الجزائر, اللذان, واستجابة لنداء جبهة التحرير الوطني, قررا إيقاف جميع الأنشطة الرياضية, كان هذا قبل أكثر من ستين (60) سنة, وبالضبط يوم 2 أبريل 1956.

هنا, الروح التي تسكن هذا الحي, بين أزقته الرطبة شديدة الانحدار والمتعرجة, هي كرة القدم, المتمثلة في فريقي الاتحاد والمولودية كـ “حمض نووي” يولد به أنصارهما. فإما أن يكون ملونا بالأحمر والأخضر أو إما بالأحمر والأسود. وحتى داخل العائلة الواحدة, بالمنازل العريقة للقصبة, تجد مزيجا بين أنصار الناديين, ما يؤكد صلابة العلاقة بين الطرفين.

زيارة القصبة العتيقة من دون زيارة سياحية منظمة والغوص في أعماق تاريخ “المحروسة”, هي رحلة مشوقة في الزمن البعيد, وهنا نتطرق الى ميلاد أول الفرق المسلمة في “أوج” طغيان الاحتلال الفرنسي للجزائر, عندما قرر شباب من القصبة مواجهة الاستعمار الذي كان يحضر للاحتفال بمئوية اجتياحه الغاصب لأرض الوطن, بتأسيس أول فريق مسلم, سمي “نادي مولودية الجزائر”, تيمنا بميلاد الرسول محمد صل الله عليه وسلم.

وفي سنة 1921, تأسس فريق مولودية الجزائر تجسيدا لإرادة شبان جزائريين لكسر الطابوهات الجائرة التي فرضها المستعمر, من خلال كرة القدم بوجه الخصوص والرياضة عموما, والتي كانت آنذاك خصوصية بالأوروبيين في جزائر محتلة ومصفدة, وذلك استنادا الى قانون 1901 البائس والمتعلق بالجمعيات والأندية الخاصة بـ”الأنديجينا”.

ومنذ ذلك الحين وبعد اعتماد محافظة الجزائر لميلاد المولودية, فقد أصبحت الحركة عامة في العاصمة وفي مختلف المدن الأخرى, التي عرفت ارتفاع نسبة الإقبال على كرة القدم الأمر الذي زاد من بروز الفرق المسلمة, وهو ما كان سببا في تضاعف روح الوطنية لدى الأندية المسماة “مسلمة” التي كانت لها عدة فروع, كالملاكمة, الدراجات, العاب القوى وكرة السلة.

فضلا عن الجزائر العاصمة, ففي قسنطينة, وهران, عنابة, قالمة ومعسكر, بزغت أولى الأندية “المسلمة”, والتي باتت تصنع البهجة وسط الشبيبة الجزائرية بكل روح حماسية, على شاكلة : غالي معسكر (1925), اتحاد وهران (1926), شباب قسنطينة (1926), اتحاد البليدة (1932), اتحاد مدينة الحراش (1935), اتحاد الجزائر (1937).

وبداية من سنة 1940, عندما كانت تدور رحى الحرب العالمية الثانية, تضاعف عدد الفرق “المسلمة” من عام لآخر, في المدن الكبرى كما هو الأمر في صغرى المدن مثل دلس, تنس, بوفاريك أو حجوط (مارينغو سابقا).

لكن في سنة 1956, وتحديدا يوم 2 أبريل بالضبط, تضع مولودية الجزائر, على غرار بقية الأندية حدا لكل نشاط رياضي, استجابة لنداء جبهة التحرير الوطني لمقاطعة مختلف البطولات المنظمة من طرف الرابطات الرياضية التابعة للجمعيات الاستعمارية.

ويأتي ذلك, على خلفية الأحداث الدموية التي جرت يوم 13 مارس 1956 بملعب “سانت أوجين”, وشهدت اعتداء قوات الشرطة والمعمرون على فريق وأنصار مولودية الجزائر عقب تعادل الفريق (1-1) أمام جمعية سانت أوجين, فريق الأوروبيين.

سقط على إثرها ضحايا ومصابون اضافة الى اعتقالات لعدد كبير من المناصرين “المسلمين”, اضافة الى اجتياح الكولون لأرضية الميدان رفقة الشرطة. وهو حدث تاريخي أليم.

 

رفقة العنقى والحاج مريزق.. القصبة تعيش جوا مغايرا

 

 ورغم ذلك, إلا أن المدينة الأسطورية للرجال الصالحين على غرار سيدي عبد الرحمن, سيدي بوقدور, سيدي هلال, سيدي محمد الشريف, سيدي رمضان وسيدي عبد الله, إلا أن الموسيقى شكلت دوما روح القصبة, ومنذ سقوط غرناطة في يناير 1492,

اتخذ اللاجئون الفارون الى العاصمة, من الأندلس, المنازل الفخمة بأعالي القصبة, كباب جديد, ومسجد سيدي رمضان ومسجد “البراني”.

وبمقهى الرياضيات, ملتقى عشاق الاتحاد أو بمقهى “مالاكوف”, مرسم محبي المولودية بالقصبة السفلى, أصبح هواة الموسيقى سيما الشعبي والموشحات والأندلسي.

هنا, ذاع صيت أحد أعمدة “المحروسة” في الغناء, بالطبع يتعلق الأمر بالحاج امحمد العنقى, الذي يمتلك سجلا ثريا من التراث الموسيقي الأندلسي. بحيث كان يشكل أحد أشهر مغنيي الشعبي, بمعية أسطورة الأغنية العاصمية, حاج مريزق (اسمه الحقيقي أرزقي شايب) صاحب رائعة “القهوة واللاتاي” (القهوة والشاي), وأيضا الأغنية المخصصة لفريق مولودية الجزائر والتي يقول فيه “لمن يحب ممارسة الرياضة, عليه بالانضمام الى المولودية, هو أشهر نادي في شمال إفريقيا”.

أسفل هذه المقاهي, ونحو حي البحرية “لامارين” والميناء حيث كانت أغلبية العتالين (حمّالين) يقطنون المدينة العتيقة, يوجد شارع واجهة البحر الذي يتواجد فيه المقهى الآخر الشهير “تلمساني”, وهو معقل آخر لعشاق كرة القدم, الذي بات منذ السنوات الأولى لحرب التحرير ملقى مناضلي للمنطقة المستقلة للجزائر العاصمة. هنا فاوض فريق مولودية الجزائر لأول مرة على الملعب الذي يستضيف فيه عام 1921, والتي أصبح بمدينة الحراش.

وفي يوليو من سنة 1962, العديد من لاعبي أندية القصبة, الجزائر العاصمة, وهران, قسنطينة, قالمة, سكيكدة, معسكر, على غرار بقية أرجاء الوطن الشاسع, لم يعيشوا بهجة وفرحة الاستقلال على شاكلة : باسطا سيد علي, محمد فرحاني, قدور بوركيكة, محمد واقنوني والإخوة بوشوشي, بالإضافة إلى الكثيرين من الشهداء الذين ضحوا, منهم من كان حاملا سلاحه ومنهم من استشهد تحت تعذيب وحشي, وهذا من أجل أن يعيش بلدهم والشعب الجزائري في خضم الكرامة والحرية المسترجعة.