غليزان – تعد الشهيدة يمينة مغيش من ولاية غليزان مثالا للشجاعة و رمزا من رموز الكفاح البطولي ضد المستعمر الفرنسي الغاشم و في سبيل تحرير الوطن.
و تعد البطلة مغيش المدعوة “دليلة” نموذجا للتضحية من أجل استرجاع الحرية و السيادة الوطنية امتد كفاحها المسلح عبر عدة مناطق بولاية غليزان إلى أن سقطت في ميدان الشرف.
ولدت يمينة مغيش في 21 ديسمبر 1941 بدوار “أولاد عائشة” ببلدية جديوية (40 كلم شرق غليزان) في أسرة ميسورة الحال حيث كان والدها الحاج عبد القادر مجاهدا و من كبار الفلاحين بالمنطقة.
و بعد وفاة والدتها, إنتقلت في سن الخامسة من عمرها للعيش عند أقاربها ببيت الشهيدة حاج عابد عتيقة بمدينة غليزان.
و زاولت يمينة مغيش تعليمها الابتدائي بمدرسة “ساحة المسجد” و كانت تحفظ القرآن الكريم مع قريبتها حاج عابد عتيقة في زاوية الشيخ “سيدي عبد القادر بن عدة البوعبدلي” بوسط مدينة غليزان.
وعند بلوغها سن الرابعة عشرة , عادت يمينة مغيش إلى مسقط رأسها بجديوية، حيث كانت تعيش أجواء الثورة و أخبار انتصاراتها من خلال استضافة بيتها العائلي لقادة المنطقة الرابعة و العديد من أعضاء جيش التحرير الوطني بحكم أن والدها الحاج عبد القادر جعل من بيته مخبأ للمجاهدين و يقدم التموين و التمويل و المعلومات لقادة الثورة بالمنطقة على غرار الرائد بن عدة بن عودة المدعو “سي زغلول” و كرزازي عبد الرحمن المدعو “سي طارق” و غيرهما، وفق ما أبرزه لوأج الباحث في تاريخ منطقة غليزان، الأستاذ محمد غرتيل.
و بعد إضراب الطلبة ليوم 19 ماي 1956 , التحقت يمينة بصفوف جيش التحرير الوطني سنة 1957 بصفوف جيش التحرير الوطني بالمنطقة الرابعة الولاية الخامسة التاريخية و عمرها لم يكن يتجاوز 16 سنة رفقة المجاهدات بلحاج عابد عتيقة و وزاني زليخة المدعوة “نوارة” و أختها وزاني يمينة المدعوة “حفصة” و انضمت إلى مقر قيادة المنطقة الرابعة بمنطقة “شراطة” بجبال الونشريس بالرمكة.
و هناك تكونت في مجال “التمريض” على يد الطبيب و المجاهد بن شوك محمد بالمستشفى العسكري ببلدة “الرمكة” (جنوب شرق غليزان) لتصبح ممرضة بجيش التحرير الوطني .
و في سنة 1958 , تزوجت مغيش يمينة بالنقيب زناسني عبد القادر و أنجبت منه ولدا سمي الحسن, عندها لقب النقيب الشهيد زناسني ب “أبي الحسن” بعدما كان ملقبا ب “عبد الباقي”.
و شاركت يمينة مغيش في عديد العمليات و المعارك و وقفت في وجه جنود المستعمر الفرنسي و هي تقاتل بكل شراسة حيث عرف عنها أنها كانت تحمل ابنها على ظهرها و حقيبتها الطبية بيدها و رشاشها على كتفها.
و اثر حصار فرضه المستعمر الفرنسي مطلع فبراير 1959 على منطقة “شراطة” الواقعة جنوب منطقة الرمكة التي كانت تحتضن مقر المنطقة الرابعة للولاية الخامسة التاريخية و تضم مراكز قيادية عديدة، إندعلت معركة شديدة في 26 فبراير بعد وصول وحدات عسكرية فرنسية ضخمة مدعومة بقوات جوية تفوق 30 طائرة حربية حيث وقع قصف مدفعي مكثف من الساعة السابعة صباحا إلى ساعة متأخرة من الليل.
و في مواقع أخرى احتدم القتال و استمرت المعركة إلى غاية اليوم الثاني، يضيف المؤرخ محمد غرتيل .
و من شراسة القتال اضطر قادة الكتائب الثلاثة إلى تنظيم هذه الوحدات الكبيرة في مجموعات صغيرة لتفادي الخسائر و فك الحصار و التوجه نحو منطقة “القواسم” و “التوافز” و “الجوازة” (ولاية تيسمسيلت حاليا) بالمنطقة السابعة للولاية الخامسة بعد أن استعملت القوات الفرنسية “النابالم” لحرق الغابات أين سقط عشرات الشهداء من بينهم الشهيدة مغيش يمينة رفقة رضيعها “الحسن” صاحب ستة أشهر الذي ذبح من طرف القوات الخاصة الفرنسية، وفق ذات المؤرخ.
و يروي أخ الشهيدة المجاهد مولاي مغيش أن “شقيقته يمينة كانت منذ نعومة أظافرها تختلف عن أقرانها من حيث الذكاء و النباهة و الرزانة. فقد كانت تسعد بالمجاهدين لما كانوا يأتوا للبيت و تتابع كل أخبارهم و انتصاراتهم و تنتبه لكل التفاصيل الدقيقة في نضال والدها.
كما كانت يمينة شرسة على أرض المعركة حيث كانت تحمل ابنها على ظهرها و بيدها اليمنى حقيبتها الطبية و باليد الأخرى تمسك رشاشها”.
و أشار المجاهد عبد القادر مشور المدعو “الموجاري” الذي حضر معركة شراطة الكبرى و رافق الشهيدة يمينة مغيش إلى غاية إستشهادها إلى أن الشهيدة خلال المعركة أخفت إبنها الرضيع (الحسن) تحت الأحراش لتحميه من قصف الطائرات لكنه بقي يبكي و يصرخ لشدة صوت القنابل فوصل إليه الجنود الفرنسيين بعدما كشفوا مكانه و كانت تراقب إبنها من بعيد فإذا بأحد الجنود يسحب خنجرا حربي و يذبح الصبي دون رحمة.
و من هول المشهد خرجت يمينة ترمي الجنود بالرصاص لتسقط شهيدة بعدما قضت على البعض منهم.
و أضاف ذات المجاهد أن هذه البطلة قدمت زوجها و ابنها و نفسها فداء لحرية الوطن و صنعت أسمى مظاهر التضحية من أجل أن تعيش الجزائر حرة مستقلة.
و يحمل عدد من المؤسسات و الهيئات محليا و وطنيا إسم الشهيدة البطلة يمينة مغيش على غرار المركز الوطني للخبرة الطبية للمستخدمين الملاحين بالناحية العسكرية الأولى بالجزائر العاصمة و مركز للتكوين المهني و التمهين و متوسطة و مدرسة إبتدائية بولاية غليزان تخليدا لها و لكفاحها البطولي في سبيل الإستقلال و الحرية.
معركة قاسية من معارك ثورة التحرير