الشباب الجيجلي يؤرخ للحراك الشعبي برسالة فنية حضارية

الشباب الجيجلي يؤرخ للحراك الشعبي برسالة فنية حضارية - الجزائر

بعنوان جيجل بالألوان وبشعار من الشعب وللشعب
أحيا الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد غريزة الإبداع وروح المبادرة لدى الشباب بولاية جيجل، حيث تحولت يومياتهم من مجرد أوقات فراغ يتم استغلالها في سلوكات الانحراف وأفكار قاتلة وانتحارية على غرار الحرقة أو الاعتداءات والبحث عن منافذ للكسب مهما كان، إلى بحث عن فرص لاستثمار أوقات فراغهم في استكشاف وعرض مهاراتهم في ورشات فنية مفتوحة وأخرى في حملات تنظيف، ما أعطى الحراك السلمي الحضاري الذي أدهش العالم برقيه دفعا آخر.

حيث استشعر المواطن أن ما يحدث ليس مجرد مسيرات لتغيير نظام حكم، وإنما منعرج حاسم وتحول إيجابي في مسيرة أمة بدأت تسترجع هويتها وشباب استعاد وعيه وعرف طريقه، ما يجعلنا أمام فرصة تغيير نظام متسلط وتغيير نظام حياة إلى الأفضل، في فكرة أدى فيها الشباب ما عليه في انتظار أن تتدخل الجمعيات والسلطات الفاعلة من أجل اغتنام الفرصة والقضاء تدريجيا على مختلف المظاهر الشاذة عن مجتمعنا واحتواء هذه الطاقات لبناء مرحلة أخرى في تاريخ الجزائر ستدون في كتاب التاريخ كملحمة فنية راقية.

اختار فنانو ولاية جيجل منذ بداية الحراك طريقة حضارية بأبعاد فنية وجمالية تجسدت في جداريات ولوحات سخر لها المواطنون بمدينة جيجل إمكانياتهم لإنجاحها في رسالة مفادها أن الشباب يمكنه أن ينتج ويسهم في الرقي الحضاري حين تتوفر الظروف الملائمة، فتحت شعار من الشعب وللشعب وبعنوان جيجل بألوان تجسدت فقد أصر الفنانون بمدينة جيجل أن تتجسد في مبادرة نالت تقدير كل الفئات بالولاية وعلى رأسها الوالي الذي أوقف موكبه يوم الخميس عند رسام جاء من وادي سوف، حيث تحدث الوالي وشجع المبادرة وحث على استكمالها بما يخدم الولاية ويعطي نظرة حسنة عن سكانها.

المبادرة بدأت مع بداية الحراك مباشرة، حيث تحولت مدينة جيجل إلى ورشة فنية جمعت كافة الرسامين بمدينة جيجل، حيث شرع في استغلال مساحات فارغة لتشكيل رسوم معبرة ومساندة للحراك الشعبي، وهي الأفكار التي تم اختيار مواضيع لها تتزامن مع الحراك، ويقول أحد الناشطين في المجال الفني والجمعوي بجيجل إن الفكرة جاءت من طرف عدد من الفنانين التشكيليين بالولاية، تزامنا والحراك الشعبي السلمي الذي تشهده الجزائر الهدف منها إيصال رسالة إلى السلطات عن مدى وعي الشعب الجزائري وأنهم يستطيعون بناء الجزائر وحدهم إلى درجة أنهم رفضوا استلام أي شيء من البلدية التي اقترحت مساعدتهم بأدوات الطلاء ووسائل العمل، فكل الأدوات من تبرع مواطنين، الذين لبوا النداء وتلقى الفنانون في هذا الخصوص مساعدات كبيرة من قبل المواطنين والتجار، فقد تم اختيار شعار من الشعب وللشعب في هذه الرسالة الفنية التي تم اختيار مواضيعها بعناية حسب رفيقنا الذي أعطى مثالا بجدارية بحي باب السور التي شارك فيها خمسة فنانين من أبناء الولاية اشتركوا في رسم “جدارية الحرية” التي تمثل الشخص ذي البشرة المختلطة التي ترمز إلى الخليط العرقي الذي يتشكل منه الشعب الجزائري الذي يقف كالفرد الواحد متأملا المستقبل المزهر لأبنائه الذين يمثلون الأجيال القادمة، الشخص ينظر إلى طائر حر، كما أطلق عليه طائر الحرية، في محاكاة للواقع الذي يعيشه الجزائريون في هذه الفترة. ومع مرور الوقت توسعت الفكرة لتشمل غالب مدن ومناطق الولاية ليستجيب الفنانون عبر مدن تاسوست والطاهير والميلية وغيرها للفكرة، وتتحول هذه المدن إلى ورشات فنية مفتوحة تزينت من خلالها الأحياء السكنية بلوحات فنية معبرة عن الحراك في رسالة إلى الجميع مفادها أن الشباب الذين كانوا قبل أيام يلقون انتقادات حادة بسبب أساليب الحياة التي انتشرت في الآونة الأخيرة، لتكون هذه مناسبتهم للرد على هذه الانتقادات بأسلوب فني راق وحضاري، كما أكد محدثنا الذي تابع هذه المبادرة منذ بدايتها أن الفكرة تحمل في مجملها عدة رسائل وهي متعددة الأهداف، منها ترسيخ فكرة التغيير السلمي، وأخرى لإثبات قدرة الشباب على صناعة مستقبله وبناء وطنه فقط بأبسط الإمكانيات لما تتوفر الظروف.

وبالموازاة مع هذه الفكرة، عكف شباب وأطفال من الجنسين على عملية تنظيف شاملة عبر كامل مدن الولاية مست الشواطئ والغابات والأحياء، حيث سخر السكان جهودهم وإمكانياتهم المادية في حملات تطوعية تم من خلالها تنظيف الأحياء وإعادة دهن الأرصفة والجدران التي كانت تعج بالكتابات الحائطية، وقد شارك في هذه الحملات مواطنون من مختلف فئات المجتمع، بدأت من شاطئ كتامة مرورا بأحياء وشوارع جيجل ومست أيضا شاطئ المنار الكبير، لتتوسع الفكرة إلى باقي التجمعات السكنية ليصبح الأمر تقليدا لدى الجواجلة في الوقت الذي لقيت هذه المبادرة مباركة مختلف السلطات البلدية والولائية ولقيت صدى واسعا في الشارع الذي تبنى هذا الوعي الذي رافق الحراك وساهم في رفع الروح المعنوية لدى المواطن.