غواصات نووية أمريكية وصهيونية، تقترب من حافة الاشتباك على حدود إيران البحرية، في مياه البحرين والإمارات.. وأما العراق واليمن فتحت الرقابة العسكرية الصهيونية الدائمة.. و تهديدات بضربة ساحقة لإيران بعد أن أكملت القوات الصهيونية تدريباتها المشتركة مع القوات الأمريكية في مناورات جعلت من إيران مركز أهدافها.. هل هي مهمات الحلف الجديد في المنطقة، بعد أن أصبحت عواصم الخليج العربية قواعد للأمريكان والصهاينة.. ولقد بلغ التهديد الأمريكي ذروته عندما وضع ترمب خطا أحمر ستدفع إيران ثمنا باهضا له.. وتحبس إيران غضبها وهي تقف وحيدة في المعركة و تعضّ على النواجذ لكي لا تمنح الرئيس الأمريكي فرصته.. فمن سيلقي بعود الثقاب في خليج الموت والنفط؟ والى أين تسير التطورات؟
التوتر الجديد:
الكيان الصهيوني من خلال حكومة نتنياهو لم يتوقف عن تحريض الإدارة الأمريكية لشن حرب على الأهداف الحيوية في إيران لإرباك برنامجها النووي وإيقاف عجلة الحياة فيها ودفع الأمور في البلد إلى قلاقل واضطرابات تمس الأمن المجتمعي والاستقرار السياسي.. تتحسب قيادة أركان الجيش الصهيوني من أخطار محتملة من اليمن والعراق وتؤكد امتلاكها معلومات عن هجوم إيراني ينطلق من العراق واليمن.. إنها الأيام الأخيرة في سنة 2020 ونهاية عهدة ترمب لتشهد تطورات خطيرة بعد أن اجتازت غواصة إسرائيلية قناة السويس متجهة إلى الخليج وكما صرحت “واشنطن بوست” الأمريكية بان التهديد أصبح قائما لجر إيران لحرب واسعة تحقق جملة أهداف عامة وخاصة بالنسبة لترمب المتمسك بموقفه من الانتخابات ونتنياهو المهدد بمحاكمات جراء عمليات فساد اقترفها..
يحاول ترمب في أسابيعه القليلة أن يرغم إيران بعد أن أصبحت العقوبات كابوسا على الحياة في إيران والتهديد بلغ مداه.. من هنا يأتي التهديد العسكري الصهيو أمريكي عنيفا وقد يكون عاملا مساعدا لتفجير الحرب في الخليج، ولم تتردد إيران بالتهديد أنه في حال اقتراب الغواصات الصهيونية من شواطئها ستقابله بقوة وحسم.. وفي العراق يتخذ حزب الله العراقي موقفا بدخول المعركة في الوقت الذي ستدخل إيران المعركة رغم ان هذا الموقف يزعج الحكومة العراقية التي ما انفكت تطالب بالنأي عن الصراعات الدولية والإقليمية.. وفي اليمن يكون الأمريكان والصهاينة يدركون تماما ان قدرات الحوثيين الجزئية يمكن ان تكون أداة إيرانية متقدمة في باب المندب واستهداف السفن الصهيونية.
ما يجري في المشهد الأمريكي يرشح إلى ضرورة تصعيد عسكري ضد إيران واستفزاز منذ مقتل سليماني والاغتيال الذي استهدف العلماء والمجالات الحيوية.. واجهت إيران الأفعال العدوانية بضبط النفس الى أقصى درجة ولكن الإصرار الصهيوني-أمريكي متواصل لجرها إلى المعركة والجديد أن التحالف الإماراتي والبحريني مع الكيان الصهيوني وبالتأكيد برضى السعودية التي تعيش حالة استفزاز من تقدم النفوذ الإيراني في المنطقة.. من هنا يصبح من الضروري تقييم الوضع بعيدا عن الحسابات الهوائية والمزاجية، تقييم وضع المحورين: محور المقاومة”معسكر إيران” ومعسكر الكيان الصهيوني.. وان إلقاء نظرة على تركيب كل محور وكيفية أدائه وتفاعله الداخلي وإمكاناته يجعلنا أكثر اقترابا من إدراك ما يمكن أن يحصل في حال اشتعال الخليج.
معسكر إيران:
في مواجهة الحلف الصهيو-أمريكي تبدو إيران وحيدة فمعسكرها أو كما يحب حلفاؤها أن يسموه ب”محور المقاومة” يعيش حالة ضعف وارتباك وانشغال بمعطلات محلية قوية.. محور المقاومة متمثلا في: “سورية وحزب الله اللبناني وحزب الله العراقي و الحوثيون وحركة حماس وحركة الجهاد الفلسطيني” ليس في حالة تمكنه من إحداث توازن رعب مع قوة السلاح الأمريكي والتفوق الاستراتيجي العسكري الصهيوني.. وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية، فسورية وهي القاعدة العربية الرئيسية في المحور تعيش حالة من الهزال والضعف لا تؤهلها لدخول حرب ضد الكيان الصهيوني أو القوات الأمريكية.. ولن يكون في وارد النظام السوري أي تصعيد ميداني في المواجهة، أما حزب الله اللبناني فهو يعيش مرحلة صعبة مقيدا بموقف شبه إجماع لبناني بعدم السماح له بجر البلد المنهار في حرب واسعة مع الكيان الصهيوني تلحق بالبلد كوارث على بنيته وأمنه.. أما حزب الله العراقي والمليشيات الموالية فهي تواجه موقف حكومي رسمي رافض للاشتراك في الحرب المحتملة ويطالب بضبط الأمور تحت سياسة الحكومة.. أما الحوثي فهو قد يكون أكثر حلفاء إيران قدرة على العمل بتوجيه ضربات مؤذية للقوات الأمريكية او السفن الصهيونية في البحر الأحمر وقد يصل الأمر إلى توجيه ضربات للإمارات المتحدة والسعودية والمصالح الأمريكية في الخليج والبحر الأحمر والأراضي السعودية.. أما في غزة فمن المستبعد تماما ان تقوم حماس والجهاد بأي فعل متزامن مع الحرب التي قد تندلع بين إيران والكيان الصهيوني أو القوات الأمريكية في الخليج.. فحماس والجهاد ما لم تقم القوات الصهيونية بتوجيه ضربات واضحة واسعة ضد قطاع غزة فلن تنخرطا في حرب إيران.
وهذا يعني ان محور المقاومة في حقيقته هو إيران أما الأذرع فكل منها يعاني ارتباكا واضطرابا وشدا من أحد أطرافه محليا يمنعه من أن ينخرط في الحرب كما أنه لن يكون للأذرع أي دور في القيام بحرب بالوكالة لأنها عالة على إيران في تكلفات المواجهة.. ثم إن إيران لها رؤية واضحة ولعلها تحرص تماما ألا تندلع الحرب وإن حدث واندلعت فستحاول أن لا تتوسع الحرب وذلك لأن استمرار حرب طويلة وعريضة يعني بوضوح استنزاف لقدرات البلد وقواته.. ستكون إيران في الحقيقة هي من يمثل محور المقاومة وهي كل المحور في أي مواجهة واسعة مع الأمريكان والصهاينة.
الحلف الصهيوني:
من الواضح أن الحلف الصهيوني في آخر مراحله شهد تطورا واضحا وحقيقيا بترسيم علاقات إستراتيجية بقوى إقليمية.. فمن الواضح ان السياسة الصهيونية في المنطقة أنجزت مستويات متنوعة من العلاقة فهي قد أمّنت حدودها مع مصر والأردن باتفاقيات سلام كما أنها تواصل علاقتها الإستراتيجية مع تركيا أمنيا وقد أمنت جانبها.. وبهذا تكون استطاعت أن تحيد من المواجهة دولتين كبيرتين مصر وتركيا الأولى تعتبر القوة العربية المركزية والثانية دولة تحاول أن تتمثل المسلمين السنة في العالم.. والمستوى الآخر هو ما تم خلال الفترة الوجيزة الأخيرة من علاقات تداخلية تخادمية بين الإمارات والبحرين من جهة والكيان الصهيوني من ناحية أخرى تم تعزيزه بعلاقات وتفاهمات واتفاقيات عديدة وعميقة مع المغرب.
تكون الرؤية الصهيونية قد تجاوزت مرحلة السيطرة على فلسطين بعد أن نشرت الاستيطان في كل مكان من الضفة الغربية وفرغت السلطة الفلسطينية من عناصر القوة جميعا وقد أرتفع عدد المستوطنين إلى مئات الآلاف يحوزون الأراضي والجوف المائي في الضفة الغربية التي تتحول فيها المدن الفلسطينية شيئا فشيئا إلى غيتوهات أبارتيد..
الرؤية الصهيونية تكون على قناعة بأنها حسمت وضعها في فلسطين وكرست هذه القناعة باعترافات دول عربية بوجودها وشرعيته وهي الآن تتجه إلى مفاصل الإقليم في ممراته الأمنية وعلى حدود الاشتباك الرئيسية في الخليج.. فلقد أعدت المؤسسة الصهيونية نفسها لمواجهة واسعة كبيرة بتفوق استراتيجي بأحدث الأسلحة وبموازنات مالية ضخمة للخطط العسكرية المتطورة ولتغطية شبكات التجسس في الوطن العربي.. وكل هذا الاعداد إنما هو لمواجهة مع دول إقليمية مركزية ولم يكن في يوم من الأيام محصورا في الاستهداف المباشر للفلسطينيين، ولقد أظهرت التصريحات الأخيرة للمسئولين الصهاينة أنهم على علاقات قوية بكثير من الدول العربية وان العلاقات لم تنقطع أبدا مع غالبية الحكام العرب. وهي الآن بصدد مشاريع استثمارية استراتيجية كبيرة، وتكون نقلت مقرات رئيسية إلى دبي والمنامة والرباط..
وهذا يعني أننا إزاء منظومة سياسية اقتصادية تدور حول تل أبيب صاحبة الموقف والقدرة العسكرية، ولقد مهدت الإمارات كثيرا من المواقع لصالح التحالف الجديد وهي بلاشك شريك استراتيجي في المحور الصهيوني وأهدافه التي تقضي بتفسيخ المنطقة وتدمير عواصم الفعل الحضاري العربي بغداد ودمشق وصنعاء و لن تكون مصر بعيدة عن الاستهداف ولكن لكل بلد وقته وخطته.
المواجهة الحتمية:
من التجاوز القول أن المواجهة لم تبدأ بعد.. فمنذ أربعين سنة أعلنت الإدارات الأمريكية المتتالية أن إيران عدو وعملت على إسقاط النظام الإسلامي بكل الوسائل وقد جندت الإقليم وأمدته بالسلاح والمعلومات كما تابعت إجراءاتها العقابية ودعمت قوى انفصالية ومجموعات التطرف والإرهاب للتخريب واستنزاف الدولة الإيرانية.. وعندما استدعى الأمر قامت طائراتها بقصف أهداف إيرانية في أكثر من مكان..
تدرك إيران أنها في مواجهة منذ اليوم الأول وكان المطلوب أمريكيا أن تنتهي صبغة النظام الإيديولوجية وان ينخرط في سياسات أمريكا أو على الأقل لا يتصدى لوجودها في المنطقة وأن يتوقف عن التمدد وتوسيع دائرة نفوذه.
استطاعت إيران في سنوات الحصار ان تحقق انجازات مهمة على مستوى التصنيع وأقامت المركبات الصناعية العملاقة كمجمع الحديد والصلب في أصفهان “مجمع مبروكة” الذي يغطي احتياجات إيران من المادة بما يزيد عن 70 بالمائة، كما تحركت لإقامة مفاعل نووية و راكمت خبرات فائقة القيمة والأهمية كما أنها استطاعت أن تضخ في السوق الإيراني أكثر من 90 بالمائة من احتياجاته الدوائية.. واستطاعت الصمود في أقصى الظروف ولم تتنازل عن ثوابت خطابها السياسي ومواقفها المعلنة.
في المواجهة المستمرة صمدت إيران ولم تبد تضعضعا ولا ترددا، ولم تترك فرصة للاستفادة من المناورة مع الأمريكان ومن الهامش في خارج المواجهة إلا واستغلته واتضح ذلك في الملف العراق والملف الأفغاني.
وفي المواجهة الحتمية لايزال النظام الإيراني بتعدد مؤسساته وتنوع الاجتهادات فيه يعبر عن أحد أهم تجليات انتصاراته في مواجهة تصدع في المؤسسة السياسية الأمريكية والاضطراب الذي أصبح سمة واضحة في التحرك السياسي الأمريكي، وبروز قوى دولية اقتصادية عملاقة.
وفي المواجهة الحتمية فرزت الإدارة الأمريكية أصدقاءها ووكلاءها في المنطقة وأخرجتهم من دائرة المستور إلى إعلان الحلف الاستراتيجي ولعل الإدارات الأمريكية تدرك أن حلفاءها من الدول العربية هشة وضعيفة و لا تستطيع الا الإنفاق، ولا قبل لها بمعارك ولعل تجربة اليمن خير دليل على هزال الحلفاء.. وهي عندما تدفعهم لعلاقة علنية وكاملة مع الكيان الصهيوني هي في الحقيقة تصدر عليهم حكم الفناء.. وتمنح إيران مصوّغا أيديولوجيا جديدا وتبريرا لمواقفها ضد الأنظمة العربية والتي كانت تلام عليه من قبل البعض، وهكذا تصبح إيران هي المعبر بقوة عن التصدي للموقف الأمريكي الذي سلم القدس للكيان الصهيوني والذي دمر العراق ويدعم دول التحالف العربي في تدمير اليمن.. وتكون الى حد كبير أجادت لعب السياسة مع الإدارة الأمريكية ففي حين أن كل أنظمة الإقليم تجد دعامتها الرئيسية من رضى الأمريكان تقف الدولة الإيرانية صخرة كبيرة على صدر الإدارات الأمريكية وضد إرادتها..
في المواجهة الحتمية الطويلة يبرز الدرس الأكبر انه ليس بالإمكان إقامة علاقة صداقة ولا يمكن تقنع نفسها بالتعايش مع التحدي الماثل والاستراتيجي. بل ان إيران تفقد الأمل في الموقف الأوربي الذي تراجع خطوة بعد تصريحات أمريكية بخصوص الاتفاق النووي.
لن تسير الأمور كما تريد الإدارة الأمريكية ولا كما تريد قيادة الكيان الصهيوني.. فإن إيران ستمتص التهديدات ولن تنزلق لمواجهة ردا على الإستفزازت الأمريكو-صهيونية فلإيران أوراق قوة ستحركها بقليل من الجهد وتحقق انتصارات بالنقاط.. ولعل إيران أدركت الآن أن المليشيا المسلحة المنتشرة في أكثر من مكان بمثابة عبء أكثر من كونها قوة حقيقية تقاسم إيران الهم والفعل الاستراتيجي وهذا سيدفع إيران إلى الاجتهاد في التأسيس لعلاقات إستراتيجية مع دول إسلامية وعربية بعيدا عن الخطابات الفئوية وبعيدا عن التوجه نحو المجموعات الشيعية.. وأمام إيران دولتان إسلاميتان، في غاية الأهمية: باكستان وتركيا ولقد كان لتصريحات باكستانية إيرانية مؤخرا مشتركة صدى واسعا، وأمامها دولة عربية مركزية: الجزائر.. فهنا تبدو العلاقات العميقة والتفاهمات الإستراتيجية أكثر من مهمة كما ان إيران ستجد نفسها على مسافة واحدة من المكونات الطائفية في المنطقة فلا تتورط بإنحيازات لجهة على حساب أخرى لأن هذا بوضوح سيجعلها في المعركة وحيدة ولن تفيدها الحالات الطائفية في الأمة.
في المواجهة المحتدمة الحتمية المتواصلة يكون الانتباه لإستفزازت الخصم ضروريا و يكون تفويت الفرصة على كمائنه والعمل بدأب لتوجيه الصراع لصالح المستضعفين واجبا على صناع القرار الإيراني، في الحين نفسه لابد من إجراءات للتخفيف عن الناس وتقوية الجبهة الداخلية أمنيا واجتماعيا.
مجددا تجد إيران أنها أنجزت تكريس فكرة كبيرة في خطابها وشعارها وأصبح في جوهر خطابها يدور حول كون القضية الفلسطينية قضية مركزية للعرب والمسلمين وهذه كلمة السر التي يمكن ان توحد الدول والقوى العربية والإسلامية التي لم تهرول للتسوية.. أمام إيران إدراك ان المعركة لن تنته غدا وان الإدارات الأمريكية لن تسلم لها بجملة الخصوصيات في الطبيعة والهدف.. وهذا يحتم على إيران التفكير الاستراتيجي فوق المصالح القطرية والطائفية وهذا ما سيجعل المعركة الحتمية معبرا لإيران والأمة نحو نهضة ووحدة وفلسطين والله غالب على أمره.
فيديوغرافيك | “صراع العرش” يضع المغرب على فوهة بركان