دخلت الجزائر ضمن قائمة أكبر 10 صفقات للغاز الطبيعي في العالم خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، بعد توقيعها اتفاقية مع ألمانيا لتوريد الغاز عبر الأنابيب، في صفقة وُصفت بالنادرة بالنظر إلى اعتماد الأسواق الأوروبية، وخاصة ألمانيا، على أسواق الغاز الفورية غير المستقرة. وتأتي هذه الصفقة في إطار الجهود المبذولة لتلبية احتياجات ألمانيا المتزايدة من الطاقة وتعزيز العلاقات الثنائية في مجال الطاقة بين البلدين.
صفقة جزائرية ألمانية: تعاون طاقوي يعزز الأمن الطاقوي الأوروبي
تم توقيع الاتفاقية في فبراير الماضي بين شركة سوناطراك الجزائرية، العملاق الوطني للنفط والغاز، وشركة المرافق الألمانية “في إن جي” (VNG)، وتعتبر هذه الصفقة خطوة استراتيجية من الجانب الألماني نحو تأمين إمدادات ثابتة من الغاز الطبيعي بعيداً عن التقلبات التي تعرفها الأسواق الفورية. تسهم هذه الصفقة في تعزيز الأمن الطاقوي في ألمانيا، الذي أصبح محورياً بعد تصاعد الأزمات الطاقوية في أوروبا في السنوات الأخيرة.
ويشكل هذا التعاون بين سوناطراك و”في إن جي” نموذجًا للتعاون المستدام طويل الأمد بين الدولتين، خاصة وأن ألمانيا اتجهت خلال السنوات الأخيرة إلى تنويع مصادر الطاقة لديها لضمان الاستقلالية الطاقوية.
خصوصية الاتفاق الجزائري الألماني وأهميته
ما يميز هذه الصفقة هو طابعها طويل الأجل، وهو أمر نادر بالنسبة لألمانيا التي تعتمد في أغلب الأحيان على عقود الغاز قصيرة الأجل والمتغيرة، مما يعرضها لمخاطر تقلب الأسعار. ويُتوقع أن يسهم هذا الاتفاق في تحقيق استقرار أكبر في الأسعار الألمانية وتقليص تكاليف الطاقة على المدى الطويل، خاصة أن الأسعار في الأسواق الفورية تتأثر بعوامل خارجية متعددة، مما يجعلها غير مستقرة وغير مضمونة بالنسبة لمستهلكي الطاقة.
وأعرب الرئيس المدير العام لسوناطراك، رشيد حشيشي، خلال مراسم توقيع الاتفاقية، عن أهمية هذا التعاون قائلاً: “إن هناك إمكانات كبيرة لتطوير هذا التعاون التجاري وتوسيعه إلى مجالات أخرى من سلسلة القيمة مثل الهيدروجين”. وتعدّ هذه التصريحات مؤشراً على وجود نوايا لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة النظيفة والمتجددة، حيث يمثل الهيدروجين الأخضر خيارًا استراتيجيًا لكلا البلدين لمواكبة التحولات في سوق الطاقة العالمي.
الخطط المستقبلية بين الجزائر وألمانيا لتعزيز التعاون في مجال الهيدروجين
لم يقتصر الاتفاق على الغاز الطبيعي فقط؛ بل أكد الرئيس التنفيذي لشركة “في إن جي” على أهمية الغاز الطبيعي الجزائري في ضمان الأمن الطاقوي لألمانيا، وأشار إلى أن الشركة تعتزم إقامة شراكة طويلة الأمد مع سوناطراك تشمل التعاون في مجال الهيدروجين الأخضر. وتطمح الشركة إلى استيراد الهيدروجين الأخضر من الجزائر، بما يعزز مساعي ألمانيا نحو التحول إلى الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري التقليدي.
يُذكر أن الهيدروجين الأخضر يعتبر وقودًا نظيفًا يتم إنتاجه باستخدام الطاقة المتجددة، وقد باتت العديد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا، تستهدف استيراده كجزء من استراتيجياتها للتحول الطاقوي وتقليل انبعاثات الكربون.
الجزائر في قائمة أكبر صفقات الغاز العالمية لعام 2024
دخلت الجزائر هذه القائمة المرموقة بفضل صفقتها مع ألمانيا، إلى جانب مجموعة من صفقات الغاز التي شملت مناطق أخرى مثل الخليج وبحر الشمال، حيث شهدت الأسواق العالمية للغاز المسال انتعاشًا كبيرًا خلال الفترة الأخيرة، سواء في الأسواق الفورية أو الآجلة. وترافق هذا الانتعاش مع عمليات استكشاف حقول غاز جديدة، مما أدى إلى توفير إمدادات إضافية ساهمت في تعزيز حجم صفقات الغاز على الصعيد العالمي.
وقد استفادت الجزائر من هذا الانتعاش العالمي لتقديم نفسها كمورد موثوق للطاقة لدول أوروبا، في وقت تسعى فيه القارة الأوروبية للبحث عن بدائل للطاقة تُحقق لها الاستقلال الطاقوي.
تأثير الصفقة على الاقتصاد الجزائري ومكانة الجزائر في سوق الطاقة
من المتوقع أن يكون لهذه الصفقة تأثير إيجابي على الاقتصاد الجزائري من خلال زيادة عائدات صادرات الطاقة، ما يدعم النمو الاقتصادي المحلي ويعزز مكانة الجزائر كمصدر رئيسي للطاقة على الصعيد العالمي. كما أن هذه الشراكة تمثل فرصة لتنويع الاقتصاد الجزائري عن طريق زيادة صادرات الغاز الطبيعي والهيدروجين مستقبلاً.
وباعتبار أن هذه الصفقة مع ألمانيا تأتي ضمن توجه جزائري نحو استغلال موقعه الاستراتيجي في تأمين إمدادات الغاز لأوروبا، فإنها تسهم في تعزيز الدور الجزائري كفاعل محوري في سوق الطاقة العالمية.
تحديات واستراتيجيات مستقبلية
رغم التحديات التي تواجه أسواق الطاقة العالمية، بما في ذلك التذبذبات السعرية وتغير السياسات الطاقوية الأوروبية، تبدي الجزائر جاهزيتها للمساهمة في استقرار أسواق الغاز من خلال صفقات طويلة الأمد. ويعكس هذا التوجه رؤية الجزائر لتحقيق مصالحها الاقتصادية والتموضع كدولة طاقوية رائدة.
وتعد هذه الشراكة بين الجزائر وألمانيا حجر أساس في بناء شبكة تعاون استراتيجي طويل الأجل، تمتد لتشمل مجالات جديدة تعزز مكانة الجزائر كدولة منتجة للطاقة وتتيح لألمانيا تنويع مصادرها الطاقوية في إطار جهودها للتحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.
تبرز صفقة الغاز الجزائري مع ألمانيا كواحدة من أبرز الصفقات العالمية في قطاع الغاز لعام 2024، حيث تجمع بين مصلحة البلدين في تحقيق الاستقرار الطاقوي وتعزيز العلاقات الاقتصادية في قطاع حيوي. ومن المتوقع أن تشكل هذه الشراكة خطوة مهمة نحو تطوير مشاريع طاقة نظيفة مستقبلاً، مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون الطاقوي بين الجزائر وأوروبا في مجالات تتجاوز الغاز الطبيعي إلى الطاقة المتجددة.
أكبر البلدان إنتاجا للغاز عالميا.. وهذا ترتيب الجزائر