اشتهر بمعارضته للحكّام .. إليك أبرز محطات المفكّر الإسلامي”محمد الغزالي”

اشتهر بمعارضته للحكّام .. إليك أبرز محطات المفكّر الإسلامي”محمد الغزالي” - الجزائر

ولد الشيخ محمد الغزالي أحمد السقا في 5 ذي الحجة سنة 1335هـجرية, الموافق 22 من سبتمبر 1917 ميلادية, في قرية “نكلا العنب” بمصر و نشأ في أسرة كريمة مؤمنة, وله خمس اخوة, فأتم حفظ القرآن بكتّاب القرية في العاشرة, ويقول الإمام محمد الغزالي عن نفسه

وقتئذ: “كنت أتدرب على إجادة الحفظ بالتلاوة في غدوي ورواحي، وأختم القرآن في تتابع صلواتي، وقبل نومي، وفي وحدتي، وأذكر أنني ختمته أثناء اعتقالي، فقد كان القرآن مؤنسا في تلك الوحدة الموحشة”.

لتحق بكلية أصول الدين بالأزهر الشريف, وبدأت كتاباته في مجلة (الإخوان المسلمين) أثناء دراسته بالسنة الثالثة في الكلية, بعد تعرفه على الإمام حسن البنّا مؤسس الجماعة, وظل الإمام يشجعه على الكتابة حتى تخرّج بعد أربع سنوات في سنة (1360هـ = 1941م) وتخصص بعدها في الدعوة والإرشاد حتى حصل على درجة العالمية سنة (1362هـ = 1943م) وعمره ست وعشرون سنة, وبدأت بعدها رحلته في الدعوة من خلال مساجد القاهرة, وقد تلقى الشيخ العلم عن الشيخ عبد العظيم الزرقاني, والشيخ محمود شلتوت, والشيخ محمد أبو زهرة والدكتور محمد يوسف موسى وغيرهم من علماء الأزهر الشريف.

يتحدث الشيخ الغزالي عن لقائه الأول بحسن البنا فيقول:
كان ذلك أثناء دراستي الثانوية في المعهد بالإسكندرية، وكان من عادتي لزوم «مسجد عبد الرحمن بن هرمز» حيث أقوم بمذاكرة دروسي، وذات مساء نهض شاب لا أعرفه يلقي على الناس موعظة قصيرة شرحًا للحديث الشريف: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) وكان حديثًا مؤثرًا يصل إلى القلب، ومنذ تلك الساعة توثقت علاقتي به، واستمر عملي في ميدان الكفاح الإسلامي مع هذا الرجل العظيم إلى أن استشهد عام 1949 م.

شغل الغزالي عدة مناصب دينية منها: إدارة المساجد، والإدارة العامة للدعوة الإسلامية عام 1971، ومنصب وكيل وزارة الأوقاف لشؤون الدعوة عام 1980، كما تولى التدريس بالأزهر، حتى تم مصادرة كتبه ومنعه من الحديث للعامة عام 1977، على إثر مواقفه من بعض القضايا التي لم تنل إعجاب السلطة الحاكمة حينها.

كتب الغزالي أكثر من خمسين مؤلفا، تراوحت بين العقدية والفكرية والفلسفية والنقدية. من أهم تلك الكتب: الإسلام والاستبداد السياسي، عقيدة المسلم، فقه السيرة، تراثنا الفكري في ميزان العقل والشرع، الاستعمار أحقاد وأطماع، السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث كما كتب: الإسلام والأوضاع الاقتصادية، حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة، ظلام من الغرب، كيف نفهم الإسلام؟، سر تأخر العرب والمسلمين، الفساد والسياسة، الإسلام والطاقات المعطلة، حقيقة القومية العربية، أسطورة البعث العربي، وغيرها من الكتب.

كان الغزالي من أشد مناصري المسجد الأقصى، وكان يكرر دائما أن الأقصى ليس قضية فلسطينية، بل قرآنية، وإن اليهود يتحركون بعقيدة دينية، بينما لا يتحرك العرب على أسس دينية و دعا الغزالي إلى فتح باب الاجتهاد، وقال: إن إغلاق هذا الباب هو اجتهاد انتهى إلى ضرر لحق بالأمة، وذلك لأن الأمة توقفت عن التفكير في القرن الرابع، بينما الزمن يتجدد غير أن أشهر مواقفه كانت مواجهته للاستبداد والاجتهادات الفقهية التي عملت على شرعنة القهر والظلم، حيث كان الغزالي يرى في الاستبداد عدوا للتقدم والحضارة، وكان يردد “لا حرية حيث يكون هناك استبداد سياسي، لا دين حيث يكون هناك استبداد سياسي، لا حضارة حيث يكون هناك استبداد سياسي”

كان يقول: إن “الحكم الاستبدادي تهديم للدين وتخريب للدنيا، فهو بلاء يصيب الإيمان والعمران جميعا، وهو دخان مشؤوم الظل تختنق الأرواح والأجسام في نطاقه حيث امتد، فلا سوق الفضائل والآداب تنشط، ولا سوق الزراعة والصناعة تروج”

وقد كان كتاب “الإسلام والاستبداد السياسي”

أهم كتبه في هذا الإطار، حيث أحدث علامة فارقة في مسار الشيخ الغزالي، وقد أثار الكتاب غضب السلطات الحاكمة حينها

يقول الغزالي عن كتابه: “أشهر كتبي عندما هاجمت فيه الطغيان وفساد الحكم وأسميته الإسلام والاستبداد السياسي، وكان ذلك في أواخر الأربعينيات،

وكان هذا اليوم من أهم أيام حياتي وأعتبره نقطة انطلاق لي”.وتابع: “بمجرد أن نزل الكتاب إلى الأسواق فوجئت بالحكومة كلها تهتز وتصدر قرارا بمصادرة الكتاب، وأحسست أن القصر الملكي اهتز بشدة من هذا الكتاب وقبض علي وقدمت للمحاكمة بتهمة مهاجمة الحكومة، وخرجت من هذه القضية بدون أن يثبت علي شيء”.

رحل الشيخ محمد الغزالي ـ رحمه الله ـ إلى ربه فجأة، تاركاً وراءه رصيداً كبيراً من الكتب والمقالات والدراسات الفكرية، وتجربة غنية في مجال الدعوة إلى الله، في هذا القرن الذي شهدت فيه الأمة الإسلامية تحديات عظيمة.