أعلنت الحكومة الجزائرية عن قرار تاريخي يتعلق بإلغاء الدعم المعمّم والتلقائي لأسعار الغاز الطبيعي الموجه للصناعيين والمستثمرين، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تحفيز السوق وتحقيق عدالة في التوزيع. ويشمل هذا القرار لأول مرة تحديد سقف استهلاك الغاز الطبيعي للمستفيدين من الدعم، بحيث لا يشمل الأسر، بل يقتصر على الكيانات الصناعية والمستثمرين داخل التراب الوطني.
تفاصيل القرار: إلغاء الدعم وإقرار سقف استهلاك
جاء هذا القرار بعد إعلان الجريدة الرسمية (العدد 74)، حيث نص على تحديد عتبة استهلاك الغاز الطبيعي التي بموجبها يتم التفاوض على السعر بين الزبون والشركة الممولة. وبموجب المرسوم الوزاري، الذي وقّعه وزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب، فإن هذا الإجراء يستهدف فقط الصناعيين والمستثمرين، سواء كانوا محليين أو أجانب، الذين يتجاوز استهلاكهم عتبة معينة للغاز الطبيعي، والتي تم تحديدها بشكل دقيق.
ويشمل المرسوم تحديد العتبة السنوية لاستهلاك الغاز الطبيعي والتي بموجبها يمكن للزبائن البدء في التفاوض بحرية على السعر مع الشركات الموردة. وقد تم تحديد العتبة بمقدار 200 مليون متر مكعب في السنة بداية من الفترة 2025/2026، لتتراجع لاحقًا إلى 100 مليون متر مكعب في الفترة 2027/2028، وصولاً إلى 40 مليون متر مكعب في السنة بحلول عام 2029.
خطوات تدريجية نحو إلغاء الدعم المعمّم
من الواضح أن الحكومة قد وضعت خطة انتقالية تدريجية للانتقال إلى إلغاء الدعم المعمّم للغاز الطبيعي. يمتد تطبيق هذه الخطة على مدى 5 سنوات، بحيث تبدأ مع بداية عام 2025 وتستمر حتى عام 2029. ويعد هذا القرار جزءًا من التوجه الاستراتيجي للدولة التي تسعى لتقليص الدعم الحكومي على الطاقة بشكل عام، بدءًا من الوقود وصولًا إلى الغاز والكهرباء. هذا التحرك يأتي في إطار التزام الدولة بتحقيق توازن اقتصادي وتحديد أسعار تعويضية عادلة بناءً على التكاليف الفعلية لإنتاج وتوزيع هذه المواد الطاقوية.
التوجهات المستقبلية: تقليص الدعم وتحديد الأسعار العادلة
تعكس هذه الخطوات بوضوح التوجهات الجديدة التي يتبناها قانون المحروقات الجزائري لسنة 2019، الذي يهدف إلى تقليص الدعم الحكومي لأسعار الوقود، الغاز والكهرباء. حيث ينص القانون على ضرورة أن تكون أسعار بيع هذه المواد الطاقوية قادرة على تغطية تكاليف الإنتاج والتكرير، بالإضافة إلى الرسوم المتكبدة في أنشطة التوزيع، مع ضمان هوامش ربح معقولة لكل من الشركات المحلية ومحطات التوزيع.
أما في ما يخص الغاز والكهرباء، فقد أشار القانون إلى أن أسعار بيعها يجب أن تعكس التكاليف الجبائية واللوجستية المرتبطة بأنشطة المنبع، بما يضمن سعرًا تعويضيًا عادلاً لكل من الغاز والكهرباء، وهو ما يشير إلى أن الدعم الحكومي لهذه المواد الطاقوية سيكون تدريجيًا في تناقص مستمر.
تأثير القرار على السوق: تحفيز المنافسة وخلق فرص استثمارية جديدة
من المتوقع أن يسهم هذا القرار في تحفيز المنافسة داخل السوق الجزائري، حيث ستكون الشركات والمستثمرون مجبرين على التفاوض على أسعار الغاز وفقًا لاستهلاكهم الفعلي، مما يفتح المجال أمام عروض وأسعار أكثر تنافسية. كما أن هذا القرار يشجع على الاستثمارات في القطاعات التي تستهلك كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، حيث يتيح الفرصة للتفاوض المباشر على الأسعار بناءً على احتياجاتهم الخاصة.
إلى جانب ذلك، فإن هذا التحول من نظام الدعم التلقائي إلى التفاوض على الأسعار يعد خطوة نحو تحرير سوق الغاز الطبيعي في الجزائر، مما يضمن تطبيق سياسة تسعير أكثر مرونة وواقعية تتماشى مع التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجهها البلاد في الوقت الحالي.
آليات تنفيذ القرار: العتبة السنوية وتطبيقها على الزبائن
من أجل ضمان تنفيذ هذا القرار بشكل فعال، أشار المرسوم الوزاري إلى أن العتبة المحددة سيتم تطبيقها على أساس الكميات المستهلكة في السنة السابقة بالنسبة للزبائن الحاليين، بينما سيتم اعتماد تقديرات الاستهلاك بالنسبة للزبائن الجدد. وبذلك، سيكون لدى الشركات القدرة على تحديد الكميات المتوقعة من الغاز الطبيعي بناءً على خططها الإنتاجية والاحتياجات المحددة لها.
خلاصة: خطة انتقالية نحو تسعير مرن وعادل للغاز الطبيعي
إن قرار الحكومة الجزائرية بإلغاء الدعم التلقائي لأسعار الغاز الطبيعي يمثل خطوة كبيرة نحو إعادة هيكلة قطاع الطاقة في البلاد وتحقيق توازن بين توفير الطاقة للأسر وبين ضمان توازن اقتصادي من خلال تسعير مرن وعادل. وعلى الرغم من التحديات التي قد يواجهها الصناعيون والمستثمرون في البداية، إلا أن هذه الإجراءات تعد ضرورية لتحفيز السوق وجذب الاستثمارات، مما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني على المدى الطويل.
إسقاط التعديلات الخاصة بالسيارات المستعملة: كيف سيؤثر القرار على الأسعار؟