إصدارات الصكوك الخليجية تتراجع 28.5 % .. 8 مليارات دولار في النصف الثاني 2021

إصدارات الصكوك الخليجية تتراجع 28.5 % .. 8 مليارات دولار في النصف الثاني 2021 - الجزائر

أسهم ظهور جوانب تنظيمية وتطبيق معيار شرعي “يحظى بدعم واسع من فقهاء المصارف” في إفقاد سوق الصكوك الخليجية بريقها في النصف الثاني من 2021، إذ انخفضت وتيرة الإصدارات بأكثر من الربع أي بمقدار 28.5 في المائة على أساس سنوي، وفقا لتحليل وحدة التقارير في صحيفة “الاقتصادية”.
ويغطي المعيار الشرعي رقم 59 لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية “آيوفي” بيع الديون ونسبة الأصول الملموسة.
وتطبيق هذا المعيار الشرعي بين الجهات التنظيمية أسهم في إعادة رسم واقع جديد لسوق الصكوك، وذلك بعد أن تم تأجيل بعض الإصدارات الخليجية خلال الفترة الماضية، وذلك إلى حين تعديل مستندات الإصدار لتتوافق مع تعديلات “آيوفي”.
وتعد “آيوفي” الهيئة المكلفة بوضع معايير للقطاع المالي الإسلامي، ومعاييرها الشرعية الخاصة بهيكلة العقود الإسلامية تم تبنيها في 20 دولة “معظمهم من الدول الرئيسة في صناعة التمويل الإسلامي” وذلك بشكل جزئي أو كلي.
وبحسب بيانات الرصد، فإن إصدارات الصكوك الخليجية انخفضت إلى ثمانية مليارات دولار خلال الأشهر الستة الأخيرة من 2021 مقارنة بـ11.2 مليار دولار عن الفترة نفسها من 2020. والنصف الثاني من 2021 هي الفترة التي شهدت تشدد المستثمرين الخليجيين والهيئات الشرعية للبنوك تجاه أهمية امتثال المصدرين الخليجيين بالمعيار الشرعي رقم 59.
وأسهم الحراك غير المسبوق في سوق الصكوك الخليجية تجاه الامتثال للجوانب الشرعية لأحد المعايير في جعل الشركات السعودية تعيد النظر بالطريقة التي ستتم بها هيكلة صكوكها الجديدة.
ويؤثر عدم الامتثال للمعيار الشرعي في أحجام التغطية ويضعف الإقبال على الإصدارات من المستثمرين الشرق أوسطيين الذين يستحوذون في العادة على ما بين 40 إلى 55 في المائة من نسبة التخصيص في الصكوك.
واستندت تحليلات وحدة التقارير الاقتصادية إلى البيانات النوعية التي أعدتها إدارة الدخل الثابت لبنك أبوظبي الأول.
على الجانب الآخر، فإن الصكوك المتعثرة عالميا بنهاية العام الماضي تشكل ما نسبته 0.25 في المائة من السندات الاسلامية الموجودة في السوق.
ووفقا لوكالة التصنيف الائتماني “فيتش”، فإن إصدارات الصكوك على مستوى العالم قد بلغت 252.3 مليار دولار في 2021 “80 في المائة منها تم إصدارها بالعملات المحلية”.
ومعلوم أن الصكوك المقومة بعملة الريال السعودي تستحوذ على ما نسبته 13.5 في المائة من إجمالي إصدارات الصكوك على المستوى العالمي في 2021 وفقا لـ”فيتش”.

تغير في معنويات المصدرين

وكالة “إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية” أشارت في تقرير لها في يناير 2022 إلى أن سوق الصكوك قد واجهت فترة اضطراب في 2021 بسبب تطبيق المعيار 59 لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية “آيوفي”، حيث انخفض حجم إصدار الصكوك في الإمارات، على سبيل المثال 64 في المائة.
ويرجع ذلك – جزئيا – إلى التعقيدات الإضافية التي أدخلها هذا المعيار، رغم تطبيق الحلول القانونية، إلا أنه كان للتغيير أثر سلبي في رغبة المصدرين والمستثمرين لإصدار الصكوك.
وترى وكالة التصنيف الائتماني أن تطبيق المعيار 59 لـ”آيوفي” سيواصل تأثيره في حجم الإصدارات، على الرغم من إجراء الإصلاحات القانونية.
ومن المرجح أن يؤدي ارتفاع مخاطر الأصول المتبقية للمستثمرين والتحديات المتعلقة بتوافر الأصول غير المرهونة في الميزانيات العمومية للمصدرين إلى تراجع الرغبة في الصكوك.
ولا ينطبق المعيار 59 فقط على المصدرين المقيمين في الدول التي اعتمدت معايير “آيوفي”، لكن أيضا على الدول التي تستهدف المستثمرين من هذه الدول.
وحتى الآن، تبنت 20 دولة معايير “آيوفي” الشرعية جزئيا أو كليا، معظمها من الدول الرئيسة في صناعة التمويل الإسلامي، على الرغم من أنه من الجدير ملاحظة أن بعض الدول الأساسية الكبرى في التمويل الإسلامي ليست جزءا من القائمة.
ومن شأن ذلك، بحسب “إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية”، أن يؤدي إلى تفاقم الاختلافات في الهياكل المستخدمة في الدول الأساسية للتمويل الإسلامي وإلى الانحراف عن الهدف الأكبر وهو الوصول إلى قطاع تمويل إسلامي أكثر تكاملا.

صكوك السعودية الدولارية

أصدرت السعودية في العام الماضي صكوكا دولارية، وبحسب بيانات التوزيع الجغرافي، فإن مستثمري الشرق الأوسط وشمال إفريقيا استحوذوا على 61 في المائة من الصكوك الدولارية، وهذه أعلى نسبة تخصيص لهم على الإطلاق، حيث كانت تلك النسبة تصل إلى ما بين 44 في المائة إلى 55 في المائة ما بين الفترة من 2017 إلى 2019 من الصكوك.
ويأتي ذلك في ظل التعديلات الحديثة لأحد المعايير الشرعية التابعة لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية “آيوفي” التي جعلت المستثمرين خلال الفترة الماضية يتحفظون على بعض هياكل الصكوك. والإصدار السعودي حاصل على فتاوى من فقهاء المصارف العاملين في البنوك الدولية، يجيزون فيها هيكلة الصكوك المستخدمة.
وأشارت وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني S&P في تقرير لها في يوليو إلى ملاحظتها الخاصة بتسجيل انخفاضات في أحجام إصدارات الصكوك بسبب اعتماد المعيار الشرعي 59 لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية “آيوفي”، الذي يغطي بيع الديون.
وعلى الرغم من أن المصدرين وجدوا طرقا للامتثال للمعيار، لا تزال هناك تحديات إضافية، ومن وجهة نظر الوكالة أصبح المستثمرون الآن أكثر عرضة لمخاطر الأصول المتبقية.
وجاءت باكورة إصدارات السعودية من الصكوك الدولية للمرة الأولى في أبريل 2017 وكانت قيمة الطرح حين ذلك تسعة مليارات دولار.
وكان ذلك أبرز دخول أولي لدولة لأسواق الصكوك العالمية، بسبب ضخامة الإصدار الذي صاحبه جدل في ذلك الوقت بسبب هيكلة الصكوك “الهجينة” التي كانت جديدة على المستثمر الدولي، بسبب الهيكلة المعقدة التي صاحبت الشريحتين.
واستخدمت السعودية في هذا الإصدار هيكلة الصكوك الهجينة التي تتكون من عقدي المرابحة والمضاربة، وهي الهيكلة نفسها التي سبق أن تم استخدامها في الإصدار الأول. وعالميا، هذه الهيكلة المعقدة لم يتم تبنيها إلا من المصدرين السعوديين.
وسميت الصكوك “الهجينة” بذلك لأنها تحتوي على مزيج من الدين “أي هيكل المرابحة” والملكية equity “أي هيكل المضاربة”.

ما المخاطر الجديدة لمعيار آيوفي 59؟

تتم هيكلة عديد من الصكوك الهجينة من خلال مزيج من الأصول والسلع الملموسة. غير المعيار 59 المتطلبات الخاصة بميزة مهمة للمعاملات ضرورية للامتثال للشريعة، هي نسبة الأصول الملموسة. قبل اعتماد المعيار، كان مطلوبا أن يكون لدى المصدر نسبة لا تقل عن 51 في المائة من الأصول الملموسة و49 في المائة كحد أقصى من السلع عند بدء المعاملة.
وكان الحفاظ على هذه النسبة، طوال فترة المعاملة، على أساس بذل أفضل الجهود واتخاذ إجراءات تصحيحية في حال حدوث خرق غير واضح. مع اعتماد المعيار رقم 59، أصبح الحفاظ على نسبة أصول ملموسة 51 في المائة مطلبا قانونيا طوال عمر المعاملة، حيث تم توضيح إجراءات معالجة الخرق.
ومن وجهة نظر وكالة “إس آند بي جلوبال” للتصنيفات الائتمانية، فإن الامتثال للمعيار 59 يوجد أو يزيد من ثلاثة مخاطر رئيسة، أولها التعرض لمخاطر الأصول المتبقية. فبالنسبة إلى بعض الهياكل، تتزايد المخاطر، حيث يصبح وقوع خسارة جزئية “إضافة إلى وقوع خسارة كلية” خطرا متزايدا.
وفي الواقع، إذا كانت هناك معاملة تضم عدة أصول، وتعرض أصل أو أكثر من بينها لخسارة كلية، يمكن خرق نسبة الأصول الملموسة، وقد لا يتم تعويض المستثمرين بالكامل عن استثماراتهم دون الرجوع إلى الجهة الراعية.
وثاني تلك الأمور، تغيير ترتيب المستثمر في سيناريو التصفية، حيث يؤثر المعيار 59 أيضا في اللغة المتعلقة بالتعويض الذي تقدمه عادة الجهة الراعية للصكوك ككيان مستقل، في حال إخلاله بأي من التزاماته التعاقدية.
وهذا قد يجعل دائني الصكوك أقرب إلى دائنين ثانويين، حيث قد لا ينظر إلى الالتزامات التعاقدية على أنها تحمل تصنيف الالتزامات المالية نفسه.
وثالث تلك المخاطر يتعلق بزيادة مخاطر السيولة للمصدرين والمستثمرين. يوجد المعيار 59 سيناريوهات محتملة جديدة للتصفية المبكرة للصكوك.
وإذا كان المصدر ليس لديه أصول غير مرهونة وغير كافية في ميزانيته العمومية، فهناك مخاطر دفع مسبق للأصول الأساسية، أو في حال وقوع خسارة جزئية، فقد يكون هناك تعجيل للصكوك وسدادها قبل استحقاقها. وبالنسبة إلى بعض المصدرين، قد يشكل هذا مشكلة، لأنه يتطلب تخطيطا للسيولة.

أول صكوك خضراء في 2022

من ناحية أخرى، نقلت منصة “ريد” REDD، المتخصصة في التحليلات المتعمقة عن أدوات الدخل الثابت في الأسواق الناشئة، عن أربعة مصادر مصرفية، لم تسمها، قولهم “إنه من المنتظر لأحد الصناديق الكبرى التابعة للسعودية أن تطرح أول سندات خضراء خلال الربع الأول من هذا العام”.
ومنصة “ريد”، التي تتخذ من نيويورك وسنغافورة مقرا لها، متخصصة في متابعة أخبار جهات الإصدار المتعسرة والمثقلة بالديون مع إحاطة المستثمرين مسبقا بالمخاطر المحتملة قبل وقوعها.

زيادة الوعي بالحوكمة البيئية

على مدار العام الماضي، شهدت السوق عددا قليلا من إصدارات صكوك الاستدامة، حيث أصدر البنك الإسلامي للتنمية صكوكا بقيمة 2.5 مليار دولار وصرح بأن عائداتها ستستخدم في تمويل مشاريع خضراء “10 في المائة” ومشاريع للتنمية الاجتماعية “90 في المائة”.
كما أصدرت ماليزيا صكوكا بقيمة 1.3 مليار دولار، بما في ذلك إصدارات من فئة الصكوك المستدامة بقيمة 800 مليون دولار، حيث تجاوز حجم الاكتتاب عليها 6.4 مرة.
وبحسب تقارير سيتم استخدام العائدات في تمويل المشاريع الاجتماعية والخضراء المتوافقة مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
علاوة على ذلك، أصدرت إندونيسيا صكوكا خضراء بقيمة 750 مليون دولار كجزء من إصدارها البالغ ثلاثة مليارات دولار في 2021، وفي يناير 2022 أصدر البنك الأهلي السعودي صكوكا مستدامة بقيمة 750 مليون دولار.
وتمثل الصكوك الخضراء مجالا آخر تكثر فيه الفرص بسبب تحول الطاقة في عديد من الدول الأساسية للتمويل الإسلامي وطموحات بعضها في مجال صناعة السيارات الكهربائية.
وقد تجذب هذه الأنواع من الأدوات المستثمرين، نظرا إلى تزايد الوعي بشأن الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في المنطقة.
ومع ذلك، تعتقد “ستاندارد آند بورز” أن الصكوك الخضراء ستسهم بشكل تدريجي فقط في نمو السوق لأنها تظل أكثر تعقيدا وتستغرق وقتا أطول من الأدوات التقليدية.

الصكوك الرقمية

يمكن أن توفر الصكوك الرقمية طريقة أسرع وأقل تكلفة للاستفادة من أسواق التمويل الإسلامي بسبب العدد المحدود من الوسطاء المعنيين. وتشمل الفوائد أيضا تعزيز الأمان وإمكانية التتبع ونزاهة المعاملة، ما قد يعزز الامتثال للشريعة.
ومع ذلك، فإن هذا يفترض توافر تكنولوجيا يمكن الاعتماد عليها ووجود أطر قانونية جاهزة للتكيف مع هذه الأدوات. كما يفترض وجود مستندات قانونية قياسية يمكن استخدامها كنموذج لإصدار الصكوك.
وترى “ستاندرد آند بورز” أن السوق المالية الإسلامية الدولية نشرت بالفعل مستندات قانونية معيارية لصكوك الإجارة والمضاربة من الشريحة الأولى.
ويمكن أن يؤدي تقليل مقدار الوقت والتكلفة ومتطلبات الحد الأدنى من الإصدار إلى فتح سوق الصكوك لشريحة أوسع من المصدرين.
وسيواصل المستثمرون في الصكوك الرقمية تحمل المخاطر التقليدية “بما في ذلك مخاطر سوق الائتمان والسيولة”، كما أنهم سيتعرضون لمخاطر تشغيلية أكبر، ناجمة عن الاستقرار التكنولوجي والمخاطر الإلكترونية.

وحدة التقارير الاقتصادية

Image: 
Author: 
“الاقتصادية” من الرياض
publication date: 
الجمعة, فبراير 4, 2022 – 21:45