في خطوة استراتيجية تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في الاقتصاد الرقمي وتعزيز مكانة الجزائر كمركز إقليمي في مجالات التكنولوجيا العميقة والابتكار، تم اليوم الأحد 1 جوان 2025 بالجزائر العاصمة التوقيع على اتفاقية شراكة ثلاثية بين كل من الصندوق الجزائري للمؤسسات الناشئة، مركز البحث في الإعلام العلمي والتقني (CERIST)، وشركة “ديب مايندز” المتخصصة في دعم المشاريع التكنولوجية.
وتأتي هذه الاتفاقية في إطار إطلاق برنامج وطني طموح لاحتضان وتسريع المشاريع التكنولوجية الناشئة، يهدف إلى إنشاء أكثر من 1000 مشروع مبتكر موزّع عبر مختلف ولايات الوطن، بحلول عام 2029، مع رصد أكثر من 600 مليون دولار كتمويل مشترك بين القطاعين العام والخاص.
نحو بناء منظومة وطنية للابتكار وريادة الأعمال
يرتكز هذا البرنامج على رؤية واضحة وطموحة لتأسيس بيئة متكاملة تحتضن الشركات الناشئة وتوفر لها كل ما يلزم من دعم علمي، مالي، وتقني، في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الحوسبة السحابية، الأمن السيبراني، وتكنولوجيات الجيل الخامس.
وقد وقع على هذه الاتفاقية كل من:
-
أنيس رحابي، المدير العام للصندوق الجزائري للمؤسسات الناشئة،
-
زهير مختاري، المدير العام لمركز البحث في الإعلام العلمي والتقني،
-
عبد النور حدو، رئيس مجلس إدارة شركة “ديب مايندز”.
وفي تصريح له خلال مراسم التوقيع التي جرت بمقر مركز البحث في الإعلام العلمي والتقني، عبّر زهير مختاري عن تفاؤله الكبير بخصوص النتائج المنتظرة من هذا التعاون الثلاثي، مؤكداً أن المركز سيساهم بخبرته العلمية ومرافقه التكنولوجية المتقدمة، بما في ذلك حاضنة الأعمال، مسرع المشاريع، فضاءات العمل المشترك، المختبرات، والبنية السحابية المتطورة.
وأشار مختاري إلى أن هذا البرنامج يُعدّ “خطوة جريئة ومتكاملة تجمع بين البحث العلمي، التمويل، والخبرة المقاولاتية،” وهو ما يعزز فرص النجاح في تحقيق هدف وطني أكبر يتمثل في إنشاء 20 ألف شركة ناشئة بحلول عام 2029.
الصندوق الجزائري يواصل دعم رأس المال المخاطر
من جهته، أكد أنيس رحابي أن هذا البرنامج يُعد امتدادًا للجهود المتواصلة للصندوق في دعم منظومة ريادة الأعمال في الجزائر، مشيرًا إلى التزام الصندوق بتوفير التمويل اللازم لتسريع نمو المؤسسات الناشئة وتمكينها من دخول السوق بثقة وكفاءة، خصوصًا من خلال تغطية رأس المال المخاطر.
وأعرب رحابي عن ارتياحه للتكامل الذي تضمنه هذا التحالف الثلاثي، حيث يجمع بين مصادر التمويل، القدرات البحثية، والدعم المقاولاتي الميداني، ما يمنح أفضلية تنافسية للبرنامج مقارنةً بالمبادرات السابقة.
دعم الابتكار المحلي وسيادة البيانات الوطنية
بدوره، قدّم عبد النور حدو عرضًا شاملاً حول شركة “ديب مايندز” المتخصصة في مرافقة المشاريع الناشئة في جميع مراحلها، من التصور والابتكار، إلى التوجيه التقني والتسويق. كما شدد على أهمية ضمان سيادة البيانات الرقمية ضمن هذا البرنامج، إذ سيتم توطين جميع المعلومات والبيانات داخل الجزائر، في خوادم مؤمنة ومطابقة للمعايير الدولية.
وأكد حدو أن الجزائر تمتلك كل المقومات البشرية والتقنية اللازمة لتطوير مشاريع تكنولوجية ذات تنافسية عالمية، مشيرًا إلى أن البرنامج سيفتح المجال أمام مشاريع من مختلف القطاعات، لكنه سيولي أولوية خاصة للمجالات ذات الصلة بـالتحول الرقمي، الذكاء الاصطناعي، تكنولوجيا الصحة، الطاقة، والتعليم الذكي.
توجيه استراتيجي نحو المستقبل
يمثل هذا البرنامج الوطني حجر الأساس في مسار جديد يهدف إلى إعادة تشكيل الاقتصاد الجزائري ليصبح قائماً على الابتكار والمعرفة. فإضافة إلى تحفيز الاستثمار في المجال التكنولوجي، تسعى الدولة من خلال هذا النوع من المبادرات إلى خلق فرص عمل جديدة، وتحسين بيئة الأعمال، وتشجيع العقول الجزائرية على المساهمة في تنمية البلاد بدل الهجرة نحو الخارج.
وتعكس هذه الشراكة الثلاثية ديناميكية جديدة في السياسات العمومية المتعلقة بالمؤسسات الناشئة، خصوصاً في ظل الدعم السياسي والمالي الكبير الذي تحظى به المشاريع الابتكارية من أعلى المستويات في الدولة.
بفضل هذا البرنامج الطموح، تضع الجزائر أولى لبنات التحول نحو اقتصاد تكنولوجي تنافسي قائم على الابتكار والسيادة الرقمية، مع فتح آفاق غير مسبوقة أمام الشباب الجزائري، الباحثين، والمطورين من أجل تحويل الأفكار إلى مشاريع ناجحة ذات أثر وطني وإقليمي.
ويبقى التحدي الأكبر في تنفيذ هذا البرنامج على أرض الواقع وفق خارطة طريق واضحة، وتوفير البيئة التشريعية والتنظيمية الملائمة لضمان استمرارية وديمومة هذه المشاريع الناشئة في المستقبل.
بحلول سنة 2029..نحو إنشاء ألف مشروع تكنولوجي