في ظل التحولات الاقتصادية والرقمية التي تعرفها الجزائر، يبرز نظام المقاول الذاتي كأحد أبرز الآليات التي تعول عليها الحكومة لدعم المبادرات الفردية وتوسيع رقعة النشاطات المهيكلة. وفي هذا الإطار، أعلنت الأمينة العامة لوزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة، نسيمة أرحاب، أن أكثر من 30 ألف شخص تمكنوا من الحصول على بطاقة المقاول الذاتي، منذ إطلاق النظام وتأسيس الوكالة الوطنية للمقاول الذاتي قبل عام.
وأكدت أرحاب، في تصريح خصّت به الإذاعة الجزائرية، أن الإقبال فاق التوقعات، وهو ما يعكس الحاجة الملحة لدى الشباب وأصحاب المهارات لنظام قانوني يعترف بمجهوداتهم ويسمح لهم بالنشاط في إطار رسمي. غير أن المسؤولة الحكومية شددت على ضرورة بذل مجهودات إضافية لتوسيع الوعي حول مزايا هذا النظام، خصوصا لدى فئات لا تزال تجهل طبيعة الامتيازات أو تعتقد أن نشاطها غير مشمول ضمن الإطار القانوني للمقاول الذاتي.
وأبرزت أرحاب أن الحكومة تنتظر صدور النصوص التنظيمية لقانون الصفقات العمومية، والتي ستُدرج فئة المقاولين الذاتيين كمتعاملين اقتصاديين رسميين، ما يسمح للمؤسسات العمومية والخاصة باللجوء إلى خدماتهم عبر عقود قانونية تحكم العلاقة بين الطرفين وتضمن حقوقهما، خاصة في ما يتعلق بتحصيل المستحقات.
وفي سياق متصل، أشارت المسؤولة إلى أن قانون العمل الحالي لا يمنع العاملين في القطاع الخاص من الاستفادة من هذا النظام، غير أن قانون الوظيف العمومي لا يزال يشكل عائقا أمام الموظفين العموميين، وهو ما دفع الوزارة إلى مباشرة مشاورات مع وزارة العمل لمراجعة هذا الجانب، بما يسمح بفتح المجال مستقبلا لبعض الأنشطة الموازية دون الإضرار بالوظيفة الأساسية.
الأنشطة الرقمية تتصدر المشهد
وأظهرت المعطيات الرسمية أن النشاطات الرقمية شكّلت العمود الفقري لهذا النظام في مرحلته الأولى، حيث تمثل قرابة 45% من المسجلين، خاصة في مجالات تطوير المواقع، التصميم الجرافيكي، والتسويق الإلكتروني. ويرتبط هذا التوجه بتزايد الإقبال على الخدمات الرقمية بعد جائحة كوفيد-19، والتي ساهمت في تسريع التحول نحو الاقتصاد الرقمي.
وأوضحت أرحاب أن 95% من أصل أكثر من 1300 نشاط معتمد تم اختياره فعليا من طرف المسجلين، ما يعكس تجاوبًا واضحًا مع النظام، في حين ستركز المرحلة الثانية من الاستراتيجية على الترويج للأنشطة التي شهدت إقبالًا أقل، ودعم المبادرات التي تقترح نشاطات جديدة تتلاءم مع مهارات واهتمامات الأفراد.
دعم مالي ومشاريع واعدة
ومن بين المشاريع المرافقة لهذا النظام، أطلقت الوزارة مبادرة “ألف مجمع بلاستيك” بالتعاون مع الوكالة الوطنية للقرض المصغر والوكالة الوطنية للمقاول الذاتي. ويهدف المشروع إلى تمويل المستفيدين من النظام بقروض تصل إلى مليون دينار لاقتناء معدات مخصصة لجمع وإعادة تدوير النفايات البلاستيكية، بما في ذلك مركبات ثلاثية العجلات.
نظام مبسط وضريبي رمزي
ويتميز نظام المقاول الذاتي بإجراءات مبسطة رقمية 100%، حيث يمكن التسجيل الإلكتروني دون تنقل، بفضل الربط البيني بين مختلف الإدارات كإدارة الضرائب والضمان الاجتماعي. ويخضع المستفيد لنظام ضريبي رمزي لا يتجاوز 0.5% من رقم الأعمال، على ألا يتعدى سقف 5 ملايين دينار في غضون 3 سنوات. وفي حال تجاوزه، يتحول النشاط تلقائيًا إلى مؤسسة مصغرة تتطلب سجلا تجاريا.
خاتمة: نحو هيكلة أوسع للاقتصاد غير الرسمي
يمثل نظام المقاول الذاتي خطوة محورية في مسار تنظيم الاقتصاد غير الرسمي وتثمين كفاءات الشباب والنساء والمبدعين، إذ يوفر بيئة قانونية مرنة ومحفزة تسمح بولوج آمن ومربح إلى عالم المقاولاتية، ما يستدعي مواصلة العمل التوعوي والتشريعي لتعزيز نجاعته ورفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي.
إدراج نشاط جمع البلاستيك ضمن جهاز المقاول الذاتي في إطار مشروع نموذجي