بعد قرار الجزائر… فرنسا تستدعي سفيرها للتشاور

بعد قرار الجزائر… فرنسا تستدعي سفيرها للتشاور - الجزائر

في تطور حاد وغير مسبوق في مسار العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، أعلن قصر الإليزيه، يوم الثلاثاء 8 أفريل 2025، عن قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طرد اثني عشر موظفًا يعملون ضمن الشبكة القنصلية والدبلوماسية الجزائرية في فرنسا.
كما تضمن القرار استدعاء السفير الفرنسي لدى الجزائر، ستيفان روماتيه، للتشاور، وهو ما يعكس حجم التوتر بين العاصمتين.

ويأتي هذا التصعيد بعد أقل من أسبوعين على محادثة هاتفية بين الرئيس الفرنسي ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون، هدفت، بحسب تصريحات رسمية، إلى “إعادة إطلاق العلاقات الثنائية بعد شهور من الفتور الدبلوماسي”. إلا أن ماكرون رأى، حسب بيان الإليزيه، أن “السلطات الجزائرية تتحمل مسؤولية هذا التدهور المفاجئ”، داعيًا في الوقت ذاته إلى “التحلي بروح المسؤولية” لاستئناف الحوار.

خلفيات الأزمة: طرد متبادل وردود متشنجة

وكانت وزارة الخارجية الجزائرية قد أعلنت، الأحد الماضي، طرد 12 موظفًا فرنسيًا من العاملين تحت وصاية وزارة الداخلية الفرنسية، معتبرة إياهم “أشخاصًا غير مرغوب فيهم”، ومنحتهم مهلة 48 ساعة لمغادرة التراب الجزائري. وأرجعت الجزائر قرارها إلى ما وصفته بـ”الاعتقال الاستعراضي والمشين” الذي تعرض له أحد موظفيها القنصليين في فرنسا، على يد مصالح تابعة لوزارة الداخلية الفرنسية، في انتهاك واضح للأعراف الدبلوماسية.

واعتبرت الجزائر في بيانها الرسمي أن ما حدث يمثل إهانة مباشرة لدولة ذات سيادة، وتطاولًا على القواعد الدولية التي تحكم العلاقات القنصلية والدبلوماسية، في إشارة واضحة إلى اتفاقية فيينا التي تضمن الحصانة لموظفي القنصليات والسفارات.

باريس ترد:

في المقابل، أكدت الرئاسة الفرنسية أنها فوجئت بهذا “التصعيد الجديد”، مشيرة إلى أن فرنسا “ستدافع عن مصالحها الحيوية”، و”ستواصل المطالبة باحترام التزامات الجزائر، خاصة في ما يتعلق بالتعاون الأمني والهجرة”، وهما ملفان لطالما شكّلا محور توتر دائم بين الطرفين.

ووفق ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية، فإن الدبلوماسيين الفرنسيين الذين شملهم قرار الطرد من الجزائر، قد عادوا بالفعل إلى باريس. وفي تغريدة له عبر منصة “إكس”، قال وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو: “السلطات الجزائرية اختارت التصعيد، ونحن نرد كما أعلنا. الحوار دائمًا، لكن ليس من طرف واحد”.

العلاقات الجزائرية الفرنسية على المحك

هذه الخطوة التصعيدية تعيد العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى مربع التوتر، خاصة في ظل تراكم ملفات الخلاف بين البلدين، أبرزها ملف الذاكرة، والهجرة، ودور اللوبيات السياسية والإعلامية في تغذية مشاعر العداء المتبادل، بالإضافة إلى تصريحات سابقة لماكرون ووزرائه وصفت في الجزائر بـ”الاستفزازية”.

وعلى الرغم من محاولات التهدئة التي قادها الجانبان في الأشهر الماضية، عبر زيارات رسمية واتصالات هاتفية رفيعة المستوى، إلا أن حادثة اعتقال الموظف القنصلي الجزائري في باريس فجرت الوضع من جديد، وأعادت إلى الواجهة مشهدًا دبلوماسيًا مشحونًا قد تكون له تداعيات طويلة المدى على التعاون الثنائي.

هل من أفق للتهدئة؟

في ظل هذا التوتر المتصاعد، يظل السؤال المطروح: هل ستعود العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى سكة الحوار؟ أم أن هذا التصعيد سيؤسس لمرحلة جديدة من القطيعة الدبلوماسية؟

ماكرون، الذي يواجه انتقادات داخلية بشأن سياساته الخارجية، قد يكون لجأ لهذا القرار لتأكيد صلابته، في حين ترى الجزائر أن الرد جاء انطلاقًا من مبدأ المعاملة بالمثل، والدفاع عن السيادة الوطنية.

المراقبون يرون أن تجاوز هذه الأزمة لن يكون سهلًا، ما لم تتوفر إرادة حقيقية لدى الطرفين لاحتواء التوتر وتغليب منطق الحوار والاحترام المتبادل، بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة.

اقرأ المزيد